حوار مع فيروس الVIH

عن طريق مراسلنا في جزر لانجرهانس...
حوار مع فيروس الVIH

يوسف إزرارن



بما أن شهر ديسمبر هو الشهر العالمي للتوعية حول مرض فقدان المناعة المكتسبة، حاولنا مراسلة فيروس السيدا في ديسمبر الماضي لمحاورته، لكن اقتناص حوار معه ليس بالأمر السهل، ففي كل مرّة كان المكلف بأعمال الفيروس رقم1 في العالم لا يرد على اتصالاتنا، لانشغاله بإجراء لقاءات مع أكبر المجلات العالمية والقنوات التلفزيونية مثل BBC و CNN من جهة، وبالتخطيط لمواجهة تراجع شعبيته في بعض مناطق العالم من جهة أخرى.
في بداية شهر ماي وردتنا رسالة من مكتب الفيروس، تفيد بأننا تحصلنا على موعد لمحاورته في مقر إقامته المؤقت في إحدى خلايا جزر لانجرهانس، وذلك نظرا للحساسية العالية لضيفنا، إذ لا يمكنه العيش خارج الخلية أكثر من بضع دقائق. مراسلنا الذي تنقل عبر طائرة تابعة للخطوط الجوية الجزائرية في رحلة مباشرة نحو جزر لانجرهانس، تأخر عن الموعد بسبب تأجيل الرحلة لأسباب مجهولة من طرف شركة الطيران. فاضطر لإقامة الحوار عبر تطبيق "سكايب" بما أن الفيروس كان قد غادر تلك المنطقة ليواصل انتشاره في منطقة أخرى.

-          سيدي فيروس السيدا، نود في البداية أن نشكرك على إجراء هذا الحوار معنا رغم انشغالاتك الكثيرة وضيق وقتك...
-         شكرا لكم على الاستضافة، وأعتذر عن عدم تمكني من انتظاركم، مثلما تعلمون أنا ككل فيرروس عندي دورة حياة وينبغي أن أغادر الخلية بعد فترة معينة.

-           لا عليك سيدي، لكن لو علمنا بذلك لما كلّفنا أنفسنا عناء التنقل. يبدو شكلك مختلفا عمّا رأيناك عليه في آخر مرّة فما سر هذا التغير في شكلك؟
-         كنت لأتعجب لو أتيتم في الوقت (يضحك). هل تعلم بأن فيروس السيدا تأخر للوصول للجزائر بسبب أن الشخص المصاب كان ينتظر وصول طائرة للخطوط الجوية الجزائرية؟ فيما يخص التنقل حتى هنا، أعتقد بأنها فكرة جيدة، فالأنترنت في الجزائر ثقيل جدا وكثير الانقطاع لا يصلح لمقابلة عبر السكايب. وبالنسبة لتغيّر شكلي "ما كان ما دخلك أنا حر فواش نلبس" وهذا سر مقاومتي لمناعة الجسم، إذ أغير شكلي بعد كل خلية أدخلها.

-         سنتحدث في البداية عن آلية عملك، وسنبدأ من آخر نقطة تطرّقت إليها، هل يمكنك أن تشرح لنا أكثر كيف تتمكن من تغيير شكلك في كل مرّة؟
-         سأشرح لك الأمر بكل بساطة، فأنا، وأعوذ بالله من كلمة أنا، مثل رجال الأعمال، الشبه بيننا كبير في الحقيقة لأنني كثير السفّر وأنزل بالكثير من الفنادق، الغرف التي أنزل بها غرفVIP، تعرف بالخلايا المناعية LT التي تمتلك مستقبلات CD4، هي المسؤولة عن تنظيم وتنسيق المناعة في جسم الإنسان، أقصد الفندق. إن أول ما أقوم به هو دمج مورثاتي مع مورثاتها، عفوا أقصد أنّني أدخل أدوات فيروسية للغرفة أستعملها للعيش هناك، أستثمر في الخلية المستعمرة من طرفي لتنتج فيروسات سيدا جديدة متكونة من مزيج بين مورثاتي الأصلية ومورثاتها. حينها يصل وقت "تصدير" المنتوج، فيحين الوقت لمغادرة الغرفة. "كي لا يمرڤ بنا أحد" مثلما تقولون في الجزائر، فإنّني أقوم بتحطيم جدران الغرفة، عفوا أقصد الخلية، لتتحرّر فيروسات الVIH ذات الشكل جديد، وبهذه الطريقة يتغير شكلي كل مرّة فتعجز خلايا الجسم عن التعرف و القضاء عليّ. أنا، وأعوذ بالله من كلمة أنا، أتبع الموضة عزيزي المشاهد، لن تتمكّن شرطة الأنتربول ولا مناعة الجسم من التعرف عليّ.

-         إذا لو فهمت جيدا ما قلته، فأنت بمجرد دخولك للجسم تستهدف الخلايا المناعية من نوع  LT4بدرجة أولى، وتقضي على عدد مهم منها، مما يؤدّي لإضعاف مناعة الجسم والإصابة بفقدان المناعة المكتسبة...
-         مي نتا ما تفهمش، تظنّ حقّا أنّني أدفع المال لدخول الخلايا LT4، كل ما في الأمر أنّني أمتلك مفاتيح تلك الغرف، أمتلك مفاتيح خاصة لا تفتح إلّا تلك الغرف، أقصد الخلايا التي أرتبط بها، وهذا ما تحسدني عليه باقي الفيروسات ياو "لي عندو المفتاح ما تعاندو بالمال".


-         تقصد لي "عندو الزهر ما تعاندو بالمال" ؟
-         كيف كيف المهم فهمت واش حاب نقول...
-         حسنا أين كنت، لا تُقاطعني مرّة أخرى من فضلك. عندما أنتج فيروسات جديدة وبمجرد تحطيمي لجدران الخلية وسرقة كل ما بداخلها من طرف تلك الفيروسات، تموت الخلية المناعية مسكينة نتيجة ذلك، وأشرع في مهاجمة خلايا مناعية أخرى. لكن كثير من الناس لا تفرّق بين الإصابة بفيروس الVIH والإصابة بالسيدا، أي مرض فقدان المناعة المكتسبة الله يحفظنا منّو، حيث يُعتبر آخر مرحلة للإصابة والوصول إليها يستغرق حوالي عشر سنوات في حالة عدم تلقّي العلاج، أي حين أدمّر معظم الغرف LT4 في الفندق فيصير عددها أقل من 200 غرفة، بتعبير آخر حين يصبح تركيز الخلايا LT4 في الدم أقل من 200 /مم3 وينهار النظام المناعي. أنا لم أقتل أي مريض من قبل، تَتَّهمو فيا باطل أنا خاطيني كنت فالميسنجر، كل ما أقوم به هو إضعاف مناعة الجسم وتتكفل أمراض أخرى تسمّى بالانتهازية كالأنفلونزا مثلا، بتهديدِ حياة المُصاب، حيث أنَّها تنتهز فرصة ضعف مناعة جسمِه للانتشار فيه و التَّتسبب في وفاتِهِ.

-         لفهمٍ أدقٍّ لما ورِد في كلامِكَ ربما سنعود قليلا للوراء وبالتحديد لسنوات السبعينات، حدّثنا أكثر عن تاريخ ظهور الفيروس؟
-         إن أسلافي، أقصد فيروس ال VIH الأول، انتقل للإنسان عن طريق احتكاكه بالقردة في جبال شفّة تاع إفريقيا، القردة معروفة بأنها أول من حمل الفيروس لكنه لا يتسبب في قتلها بسبب اختلاف نظامها المناعي عن مناعة الإنسان. أول حالة وفاة بشرية كانت في كينشاسا عاصمة الكونغو الديمقراطية سنة 1959. لكن مثلما قلت أنا كأي رجل أعمال أحب السفر وأبحث عن مناخ ملائم للاستثمار، فعبَرتُ الأطلسي صوب أفضل مكان للاستثمار ذلك الوقت "أمريكا" التي عُرِفت بالانفتاح الجنسي، أبن سُّجِّلت أوَّل حالة وفاة كانت سنة 1969. في البداية اعتقد الأطباء أنني أُصيبُ المثليين فقط، ثم اعتُقدوا أنني أصيب متعاطي المخدرات أيضا، قبل أن تتَّضِحَ إمكانيَّة تنقُّلي لأي شخص عادٍ، بالإتصال الجنسي غير المحمي، استعمال الحقن بالنسبة لمتعاطي المخدّرات أو العاملين في الأوساط الطبية و شفرات الحلاقة المستعملة وغير المعقّمة أحيانا. أركّز على هذه النقاط لأنها السبب الأول لانتشاري في الجزائر، وكذا من الأم الحامل إلى الجنين أو الرّضيع، بالرّغم من أن آخر الدراسات توصلت لعلاج يحمي الجنين في هذه الحالة. حتى في الجزائر يمكن القيام بذلك ما تخافوش.

-         لنتحدث الآن عن السيدا في الجزائر، رغم أن الأرقام هنا ليست بالكبيرة، لكنها تبقى مقلقة لحدّ ما، ما هي أبرز طرق انتشارك هنا والعوامل التي ساعدتك في ذلك؟
-         مثلما تعلمون فإن أول تشخيص للإصابة في الجزائر كان سنة 1985، نحن اليوم في سنة 2018 وعدد المصابين تجاوز 10 آلاف شخص. النسبة متقاربة بين الجنسين والسبب الرئيسي يكمن، مثلما تسمونه هنا في الجزائر، في العلاقات غير الشرعية وغير المحمية، وكذا استعمال الحقن لتعاطي المخدّرات، شفرات الحلاقة المعادة الاستعمال في ظرف زمني قصير جدّا كذلك يمكن أن تؤدّي للإصابة في بعض الأحيان. عدد المصابين هنا في الجزائر، مثلما عليه الحال في معظم البلدان الإسلامية، قليل مقارنة بمناطق أخرى كإفريقيا السوداء أو حتّى أمريكا، لكن المشكل هنا في أن الناس تخاف من إجراء الفحص، وكذا عدم التقيد بما يوصي به الطبيب. العلاج متوفّر في المستشفيات في بلدكم لكن الآخذين به قلّة. المصابون في الجزائر، والذين تكون أعمارهم في الغالب في الثلاثينات، يعانون من نوع من التهميش نظرا لغياب الوعي حول المرض في المجتمع، ممّا يؤدّي لكثير منهم إلى العزلة ورفض تلقّي العلاج. العلم اليوم تطوّر. أنا، وأعوذ بالله من كلمة أنا، أصبح من الممكن العيش معي بصفة عادية، عند المداومة على تلقّي العلاج والتزام نظام حياة مثالي سواء تعلّق الأمر بالحياة الجنسية أو التقيّد بشروط النظافة بصفة عامة. لهذا وافقت على إجراء الحوار معكم، يوجد الكثير من العمل لنشر الوعي حول المرض في الجزائر، أنا ناس ملاح... سيتي (يضحك).


-         ماهي الأعراض التي قد تجعل المريض يقوم بالفحص؟
-         عند الإحتكاك بأي شخص مصاب أو يُشك في أنه مصاب، فإن الأعراض الأولية تكون مُشابهة لأعراض الأنفلونزا العادية، حرارة مرتفعة فوق 38 درجة، بقع جلدية حمراء، آلام بالرأس، بالبطن والعضلات، بالإضافة إلى إسهال وتقيّء. لكن هذه الأعراض تزول بصفة عادية في البداية نظرا لتدخل مناعة الجسم التي تشرع في إنتاج أجسام مضادة للفيروس. أفضل فترة للفحص هي حوالي 3 أشهر بعد آخر سلوك من السلوكات التي ذكرناها سابقا والتي يمكن أن تؤدّي للإصابة.

-         بالحديث عن العلاج، من سنة 1970 إلى اليوم، كثير من البحوث قد تمّ انجازها للوصول إلى علاج أو على الأقل التقليص من آثارك على المناعة، هل لك أن تذكر لنا أبرز العلاجات التي تأثرت بها؟
-         هذا صحيح، فأنا، وأعوذ بالله من كلمة أنا... ما قدروليش ولكن لم أعد مرضا قاتلا كما كنت. حتّى وإن لم يتمكّن الأطباء والباحثون إلى اليوم من إيجاد علاج يقضي عليّ تماما ، إلّا أنّه تم تطوير العديد من العلاجات التي  تمكّن المريض من التعايش معي، أي فيروس VIH، بطريقة عادية طول مدّة حياته. عرفت الكثير من المرضى الذين عاشوا أكثر من الأطباء الذين أعلنوا لهم المرض، معدّل الحياة مثلا اليوم في الولايات المتحدة لمصاب بالفيروس يُداوم على تلقّي العلاج يصل لأكثر من خمسين سنة بعد الإصابة.

-         هل لك أن تُحدّثنا أكثر عن آلية عمل هذا العلاج؟
-         العلاج بصفة عامة هو عبارة عن مُضاد للفيرروسات وتكاثرها، مثلما قُلت آنفا فأنا أحتاج إلى مفتاح للدخول للخلية المناعية، هناك نوع من العلاجات مثلا يقوم على منع هذا الارتباط عن طريق تغيير مقابض الباب في الخلايا المناعية فلا يستطيع المفتاح فتحها وأبقى أسبح في الدم دون أن أتسبب في أي ضرر، وهناك من العلاجات ما يمنعني من إدخال أدواتي الفيروسية وتمنع مورثاتي من الاندماج مع مورثات الخلية، في حين هناك أدوية تمنع تكوين الفيروسات الجديدة. هذا من شأنه الحفاظ على الخلايا المناعية LT4، أو المسمّاة CD4 في مراجع أخرى بتركيز يفوق 200 /مم3 في الدّم، وبالتالي أبقى أنا أسبح في الجسم دون فعالية تحت شعار #خليه-يعوم، ويحافظ النظام المناعي على قوّته ونشاطه ضد الأمراض والفيروسات الانتهازية.

-         هل هذه العلاجات متوفرة في  الجزائر؟
-         على حدّ علمي فإن العلاجات متواجدة في المستشفيات الجزائرية، وينبغي التقرّب من الأطباء المختصّين في المناعة للحصول عليها والمداومة على أخذها. كاش نهار شفت فيروس يقولك الدواء تاعو؟ قتلك أنا، وأعوذ بالله من كلمة أنا... متواضع و لطيف لكن ماشي حابس باش نعطيك باش تقتلني.

-         سيدي فيروس ال VIH شكرا لمحاورتنا وتعريف قرّاءنا أكثر حول آلية عملك وكذا مختلف العلاجات المتوفرة، سرّنا الحديث إليك.
-         مثلما قلتُ سابقا، لا يوجد فيروس يريد أن يبقى ويعيش في الجزائر، الأوضاع عندكم صعبة، التقشف والأنترنت ثقيل جدا والكاميرات المخفية في رمضان... ، أتمنّى أن أكون ساهمت في نشر الوعي حول مرض فقدان المناعة المكتسبة والخروج من خانة الطابوهات التي لا يُحبّذ الناس في بلدكم التحدّث عنها، لأن التوعية هي ما ينقص للحد من انتشاري وتقليل خطر الإصابة، خصوصا أمام فئة الشباب على مستوى المؤسسات التربوية والجامعات.


Commentaires

Articles les plus consultés